الاعتـــ.ــداءات الجنسيّة في لبنان: “اغتصبـــ.ــني خالي تحت تأثير الكحول”

“اغتصبـــ.ــني خالي ولم أُخبر عائلتي خوفاً من العـــ.ــار”، تقول ميرنا بصوت خافت خشيةً أن يسمعها أحدهم وينظر إليها بشكل خاطئ. فكيف لا؟ إذا كنّا حتّى اليوم وعلى الرغم من الانفتاح والحرّية اللتان نجاهر بهما، لا نزال بمكان ما في عقلنا الباطن نحتفظ بما نُريده من عاداتنا الشرقية والتي غالباً ما تكون ضدّ المرأة.

وفقاً لدراسات ميدانيّة أجرتها “أبعاد”، تبيّن أن أكثر من 70 في المئة من النساء يعتبرن الاعتـــ.ــداء على المرأة كاستهداف مباشر لـ”عرض العائلة وشرفها”، في حين 6 من أصل 10 نساء يتعرّضـــ.ــن لاعتـــ.ــداءات جنسيـــ.ــة لا يبلغن عنها إن كان في حياتهنّ اليوميّة أو العمليّة حتّى تحت مسمّى “العرض والشرف”.

تُخبرنا ميرنا، وهي فتاة عشرينيّة، حكايتها المأسويّة، التي بدأت خلال فترة الحجر قبل سنتين، حيث اضطرت العيش في منزل جدّيها، ليقوم خالها باغتصابـــ.ــها وتهديـــ.ــدها بنشر صورها عبر “السوشيل ميديا” إذا فكرت ولو لحظة بإخبار والديها.

“كانت الساعة تُشير إلى العاشرة مساءً، وكنتُ حينها أجلس في غرفتي أشاهد مسلسلي التركي، حيث دخل خالي وجلس إلى جانبي، وأخذ يداعبني ويقترب مني بشكل يُثير التعجب، وكانت رائحة الكحـــ.ــول تفوح منه بشكل مقزّز.

بداية، حاولت الابتعاد عنه والخروج من الغرفة باتجاه الصالون، إلّا أنّه أقفل الباب ووضع المفتاح في جيبه ورماني على السرير وحصل ما حصل. وبعدما انتهى، صوّرني وهدّدنـــ.ــي بإخبار أمي، مريضـــ.ــة السرطـــ.ــان التي أساساً تُصارع الحياة، فسكتت، وما الفرق؟ ففي كلّ الأحوال لن يُصدقني أحد وسأحمل وصمة العـــ.ــار هذه ولا قدرة لي على ذلك”، تقول ميرنا.

وصمة عـــ.ــار مجتمعيّة… ومحاولات عائليّة لطمس الحقيقة!

غالباً ما يحاول البعض في مجتمعاتنا الشرقيّة بإظهار الأنثى وكأنّها ضعيفة أو لا فائدة لها، فباعتقادهم خُلقت للأعمال المنزلية والإنجاب، أيّ بمعنى آخر ليست إلّا ماكينة يُحرّكها مَن يُفوّض نفسه عليها واصي كما يشاء.

تُخبرنا الشابة التي أجبـــ.ــرها والدها على الزواج من قريبها المطلّق أنّها “لم تملك الخيار حتّى في رفض الزيجة التي فُرضت عليها، إذ يرى والدها أن الجامعة والانخراط مع الشبان تجلب العـــ.ــار، وبالتالي ما الفائدة من تعليم الفتاة إذا كانت سُنة الحياة أن تتزوج وتخدم زوجها؟”…

تتحدّث “الضحـــ.ــيّة” كما اختارت أن تُسمّي نفسها بخجل وخوف، فهي اليوم مغتصـــ.ــبة ومطلّقة ينظر إليها المخيّم على أنّها “فيـــ.ــروس” حيث لا يجب الاقتراب منه حفاظاً على الشرف العام.

“عَرِفت عائلتي بأمر اغتصابـــ.ــي بعد الزواج، في حين أخبر زوجي العائلة والأقارب بالعـــ.ــار الذي اكتشفه ليلة الدخلة، فعاملوني وكأنّني المذنبة لأن خالي كان تحت تأثير الكحـــ.ــول وبالتالي لا لوم عليه.

كما حذّروني من إخبار أيّ أحد بهذه الوصمة وبطاعة زوجي الذي لم يترك فرصة إلّا ووبخني فيها على كوني ضحـــ.ــيّة مغتصـــ.ــب مريـــ.ــض نفسيّ لم يرَ ليلتها غير شهواته، لأدفع أنا الثمن لمجرّد انتمائي لمجتمع يُنافسه بالجـــ.ــهل والمـــ.ــرض، فمن يأخذ حقّي وأنا أُغتصـــ.ــب يومياً من زوجي وأُضـــ.ــرب وأُهان إن رفضت؟”، تسأل ميرنا.

“لا عرض ولا عار”

يشهد لبنان أخيراً ارتفاعاً خطـــ.ــيراً في أرقام الاعتـ.ـداءات الجنسيّة، في وقت لا تزال العـــ.ــقوبات على هذه الجـــ.ــرائم مخفّفة وبسيطة مقارنة بحجم الضـــ.ــرر الناجم عنها.

في سياق متصل، ترى رئيسة منظمة “أبعاد” غيدا عناني أن “السبب وراء ذلك هو الربط الدائم ما بين أجساد النساء وما يعرف بالعرض والشرف”، مشيرةً إلى أن “الحملة التي حملت عنوان “لا عرض ولا عار” تُؤكّد على أن الاعتـــ.ــداء الجنسيّ جريمـــ.ــة وبالتالي لا بد من التشدّد في معاقبة المجـــ.ــرمين لإحقاق العدالة للناجيات ولحماية الإناث عموماً”.

حملة لا تُشبه باقي الحملات التي شهدناها خلال السنوات الماضية، إذ حملت الكثير من الرسائل المبطنة. إلى ذلك، تشرح عناني أن اللون الأبيض الذي استُخدم في الشعارات والصور التي رُفعت خلال وقفة احتجاجيّة نُفذت قبل أيّام يرمز إلى صفاء النفس والسلام الداخلي والخارجي مع المحيط، أمّا الأحمر فيُشير إلى شدة الألـــ.ــم جرّاء الأذى الجسدي التي تتـــ.ــعرّض له الضحـــ.ــية الناجية والذي يتحوّل إلى ألم نفسي دائم، كذلك يدل على دمـــ.ــاء فض البكارة في الجماع”.

هذا وتعتقد عناني أن “تعديل القوانين ليس مستحيلاً اليوم، في حين تتواصل “أبعاد” بصورة دائمة مع المشرّعين بغضّ النظر عن توجهاتهم السياسيّة لأنّهم المرجع الأول لتعديل أو اقتراح أيّ قانون”.

وتُضيف: “هناك قانون يجـــ.ــرّم المغتصـــ.ــب والمتحـــ.ــرش ولكن نحن كمنظمة نُطالب بتشديد العقـــ.ــوبة أكثر، لأن المغتصـــ.ــب يُحكم بالسجـــ.ــن مدّة 5 سنوات، والسنة السجنية هي 9 أشهر أيّ أنّه يقضي فعلياً 3 سنوات و6 أشهر فقط بالحـــ.ــبس، وهكذا عقـــ.ــاب لا يلائم حجم الجـــ.ــرم الذي ارتكبه”.

انتصار مع وقف التنفيذ

عام 2017، حقّقت المنظمات الحقوقية انتصاراً بإلغاء البرلمان اللبناني المادة 522 المثيرة للجدل، والتي كانت تعفي المغتصـــ.ــب من العقـــ.ــوبة إذا تزوّج ضحيته، وتنص هذه المادة في الفصل المتعلق بـ”الاعـ.ـتداء على العرض” وبينها جرائـــ.ــم الاغتـ.ـصاب واغتـ.ـصاب القاصـــ.ــرات وارتكاب “الفحـــ.ــشاء” في إشارة إلى الاعتـ.ـداءات الجنسية، والخطـــ.ــف بالقوة بقصد الزواج، على أنه “إذا عقد زواج صحيح بين مرتكـــ.ــب إحدى هذه الجـــ.ــرائم، وبين المعتـــ.ــدى عليها، أوقفت الملاحقة. وإذا كان صدر الحكم بالقضية علق تنفيذ العـــ.ــقاب الذي فرض عليه”.

بالمقابل، لا تزال المنظمات تطالب بإلغاء مادتين أخريين، إحداهما تنص على أن “من جامع قاصراً دون الخامسة عشرة من عمره يعاقـــ.ــب بالأشغال الشاقـــ.ــة الموقتة”، وأخرى تعاقب بالسجـــ.ــن فترة قصيرة أو بغرامة من “أغوى فتاة بوعد الزواج ففض بكارتها”.

فعلياً، القانون اللبنانيّ اليوم أمام حلّين لا ثالث لهما، فإمّا ينصف المرأة ويُحـــ.ــرّرها من القيود الرجعية والذكوريّة، أم يتحمل مسؤولية الجـ.ـرائم التي تُرتكب بحقّها ويبقى على حماية المعتـــ.ــدي تحت شعار “العرض والشرف”…

 

كتبت إيسامار لطيف في موقع mtv:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!