المداهـــــمات لا تكفي الحـــــرب على المحتـــــكرين ضرورية

فيما يستمرّ “إذلال” اللبنانيّين على كلّ المستويات، بين الصيدليات الفارغة من الأدوية والمستلزمات الطبّية، ومحطات المـــــحروقات التي رفعت خراطيمها في وجه “طوابير” لا تنتهي من الناس،

 

جاءت “مشاهد” المداهـــــمات في الأيام القليلة الماضية، التي فضحت المحتكـــــرين، وكشفت المخزّنين، لتضع الأصبع على الجرح النازف.

 

تصدّر وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن الواجهة من خلال حملات الدهـــــم التي قام بها، وانتشرت فيديوهاتها كالنار في الهشيم،

 

بعدما تمّ تداولها على نطاق واسع، لفداحة ما حملته من مشاهد مستفزّة، لمحـــــتكرين “يبرّرون” أفعالهم “المقزّزة”،

 

بعدما افتقدوا الحدّ الأدنى من “ضمير المهنة”، فيما هناك من يمـــــوت ويعيش لتأمين بعض من الأدوية المخزّنة لديهم.

 

وعلى المنوال نفسه، جاءت حملات الدهـــــم لبعض محطات المحـــــروقات، التي أكّدت المؤكَّد وثبّتت المثبَّت، في ظلّ “سباق محموم” بين بعض الأجـــــهزة الأمنـــــية على تحقيق “الريادة” فيها،

 

ففيما يتعرّض اللبنانيون لأسوأ أنواع الإذلال بحثًا عن “فتات” من البنزين لتأمين تنقلاتهم الضرورية، ثمّة من يخزّن المـــــحروقات، “على مد عينك والنظر”، ومن دون أن يرفّ له جفن.

 

انتقادات وتحفّظات

 

لم تمرّ حملات “الدهم” السالفة الذكر دون انتقادات بالجملة. ثمّة من تحدّث عن “مسرحيات وتمثيليات” يقوم بها وزير الصحة، رغم “تعمّده” أن تشمل مداهمـــــاته المقرّبين قبل الأبعدين،

 

حتى لا يخرج من يقول له إنّه كان الأوْلى به أن يبدأ من قلب “بيئته” كما حصل مرارًا وتكرارًا في كلّ حملات مكافـــــحة الفـــــساد،

 

التي اصطدمت بـ”فيتو” الطائفة الكريمة، و”ســـــلاح” الحمايات السياســـــية العابرة أصلاً لكلّ الاعتبارات المذهبيّة.

 

الأمر نفسه سرى على مداهـــــمات الجيـــــش وقـــــوى الأمـــــن، التي ثمّة من استغرب “توقيتها”، خصوصًا أنّ الوقائع دلّت على أنّ الأجـــــهزة أكثر من “مدركة” للتخزين،

 

كمًّا ونوعًا، بل إنّ “المستودعات” مكشوفة من قبلها، لكنّها كانت ببساطة تغضّ النظر عنها في السابق، استنادًا ربما إلى “الإثم” نفسه، المربوط بالحمايات الســـــياسية،

 

والحصانات التي يحظى بها المخزّنون، الذين تطول قائمة “المتواطئين” معهم، والذين يحظون بـ”خطوط عســـــكرية” في ذروة “الطوابير”.

 

وحتى يكتمل “التشويق”، لم تنجُ حملات الدهـــــم، على أهميتها وحساسيتها، وخطـــــورة ما كشفته، من فخّ “التسييس” القاتـــــل. هكذا،

 

تحوّلت انتماءات “المحتكـــــرين” إلى الشغل الشاغل، لا لتتنصّل أحزابـــــهم منهم، ولكن ليسجّل خصومهم النقاط عليها.

 

وبدل أن تفرض مقولة أنّ “الفساد لا دين له”، ثمّة من اختار التصويب على “الحـــــزب ” هنا، أو “القـــــوات اللبنانية” هناك، وبينهما “الوطني الحر” و”تيار المستقبل” وغيرهما، رغم أنّ الكلّ يعرف أنّ الجميع “خابزينو سوا”.

 

الكلمة للقضـــــاء!

 

لكن، رغم الانتقادات والتحفّظات، فإنّ كلمة حقّ تُقال إنّ ما أنجِز على صعيد حملات الدهـــــم، يسجّل للمبادرين إليها، من جيـــــش وقوى أمن، إضافة إلى وزير الصحة. وحتى لو افترضنا أنّ الأخير أراد “الاستعراض”، كما اتُهِم ممّن صنّفوه بـ”الشعبويّ”،

 

فإنّ هناك من حرص على دعوة الآخرين إلى “الاقتداء” به، بدل “البكاء على الأطلال”، ولتكن “تمثيليات شعبوية شاملة” إذا كانت ستفضح الفاســـــدين والمرتشين والمحتكـــــرين في النهاية.

 

وبين المرحّبين والمنتقدين، يبقى الأكيد أنّ ما حصل لا يكفي، خصوصًا أنّ أيًا ممّن تمّ فضحهم لم يُحاسَب فعليًا حتى الآن بالعقـــــوبة القصوى المفترضة، فضلاً عن كون كبار المرتكبين،

 

أو من يجوز وصفهم بـ”الرؤوس الكبيرة”، بقوا بمنأى عن الملاحـــــقة والمحاسبة، ما أوحى مرّة أخرى وكأنّ “الصغار” تحوّلوا إلى “كبش فداء”،

 

رغم توالي التصريحات السياسيـــــة عالية السقف، والتي وصلت لحدّ اعتبار جرم التـــــهريب والتـــــخزين “إرهـــــابًا” بكلّ ما للكلمة من معنى.

 

لذلك، يعتقد كثيرون أنّ الكلمة اليوم يجب أن تكون للقضـــــاء الذي ينبغي أن يسارع للعب دوره، واتخاذ إجراءات فوريّة، عبر إلحاق أقصى العقوبـــــات بحقّ المذنبـــــين، ليكونوا على الأقلّ “عبرة لمن يعتبر”،

 

وبما يسمح بـ”ردع” الآخرين، وهم كثر، عن مواصلة الطريق نفسه، ولعلّ “كلمة السرّ” لذلك تبقى في القفز فوق كلّ أنواع “الحمايات السياســـــية”،

 

تحت طائلة “فضح” من يقفون وراءها، لأنّ جرمهـــــم يعادل، بل يفوق، ذلك الذي يرتكبه المخزّنون أنفسهم.

 

ليس الوقت وقت “استعـــــراض” في بلد يعيش أصعب مراحله على الإطلاق، منذ استقلاله، ولذلك فإنّ مصـــــادرة البضائع المخزّنة لا تكفي،

 

ولا توزيعها “مجانًا” وفق آليّات غير واضحة، وقد لا تكون شفّافة، سيكون مُجديًا. المطلوب قبل هذا وذاك، “انتفاضـــــة” تعيد للدولـــــة هيبتها، وتضع حدًا لكلّ من تسول له نفسه،

 

اليوم أو في المستقبل، الإسهام في “إذلال” شعب، أصبح واضحًا أنّ “أعداءه” الحقيقـــــيّن هم “منه وفيه”، وهذا أخطـــــر ما في الأمر!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!