دياب على خطى الحريري وباسيل… “بالتوفيق”*

 

 

 

كان رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي قد أنهى لتوّه التحضير لـ”فرمان” تقريع الحكومة، على الواقف وعلى الهواء مباشرة، أمام مجلس النوّاب وتحت أنظار رئيسها المستقيل حسّان دياب، لكن ثمّة من أحاطَ الاخير علماً بتوافر نوايا لدى عين التينة فلجأ إلى مقاطعة الجلسة بحجة “نشاطٍ عاجل”، باعثاً بنائبته وزيرة “النوايا الحسنة” زينة عكر بدلاً عنه، فما كان من برّي إلا أن “نعّم لهجته”.

اعلان

 

مع ذلك وصف برّي خطوة دياب الداعية إلى إنتخابات مبكرة بـ”المؤامرة”، وقد ضمّ إلى عناصر تكوينها إستقالات بعض النوّاب التي تعامل معها بحدة ظاهرة، مسرّعاً في تلاوتها ومن خارج القبول بأية حجج للعودة عنها، كما حصل في مسألة النائب المستقيل مروان حمادة. من الواضح، ان الرئيس بري أرادَ بعث الرسائل في كافة الاتجاهات، مفادها أن المجلس يمثل إليه “خط أحمر”. أضاف إلى مرافعته، أن ثمة من اراد أن تصبح الحكومة هي من يحاسب المجلس وليس العكس”، مضيفا: “إلا أن هذا المخطط فشل”.

نجاة دياب من “التقريع المجلسي” والذي كشف أن بري كان ماضياً به بل مصراً عليه وحتى على محاكمة الحكومة ولو أنها استقالت، اثبت عمق الازمة التي كانت واقعة بين بري ودياب والتي وصلت إلى حدود الطلاق السياسي الواضح. مشكلة دياب أنه كان مستمعاً جيّداً إلى مستشاريه رغم أن البعض من هؤلاء لم يكن في مستوى سياسي يجعله مستشاراً! ثم ان مشكلة بري تعود إلى عدم قدرته على استيعاب أي رئيس حكومة من خارج “الجينات الحريرية”.

وبمناسبة الحديث عن “الجينات الحريرية”، فإنها يوم بعد آخر تثبت مدى انجذابها نحو السراي. ثمة قاعدة لا بد من الاعتراف بها، ان آل الحريري لا يمكنهم العيش من دون رئاسة الحكومة! من هذا المنطلق، يُمارس الحريري الآن لعبة التفاوض السياسي بمرونة يحكمها الترفّع احياناً. رئيس تيار المستقبل يرى نفسه الاحق بـ”لبن العصفور” الذي عاد أفضل مما كان وبشروط دسمة، والظرف وضعه في موقع المرغوب، فلماذا لا يتدلّل ويعمل على فرض شروطه التي لم يستطع فرضها حين كان في السراي الخريف الماضي؟

أما دياب، فالدور عاد عليه في استنساخ بعض تصرفات “التجربة الحريرية”. منذ أن قدّم إستقالته إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، انكب على تجميع أغراضه الشخصية من السراي ومقتنيات عائلته بهدف الانتقال إلى منزله القديم. صحيح أن ذلك المنزل سيضيق عليه مقارنة بالسراي الكبير، لكن دياب يعتبر أن صدره قد ضاق من وجوده في السراي وقد يضيق أكثر.

أوساط دياب تقدّر أن رئيس حكومة تصريف الاعمال لن يستمرّ في إدارة نشاطه من السراي. على الأرجح، سيحتجب عن ممارسة التصريف بالمعنى الواسع للكلمة وسيبقى على “تصريف محدود ضمن النص”، رغبة منه في ديمومة العمل المؤسساتي. لكن لو أن الأمر عائد إليه، لكان قد استقال ايضاً من التصريف! غيّته في ذلك تعود إلى الأسلوب الذي مورسَ بحقه والذي يحسب دياب أنه “طعنة لم يكن في وارد تخيلها”.

مع ذلك، نحسب أن دياب كان له اليد الطولى ايضاً في وصول الطعنة إليه. في الحقيقة، لم تكن لتحصل لولا انصياعه التام إلى نظريات حفنة من المستشارين، يبنون مقارباتهم السياسية على ردات فعل غاضبة، قادت رئيسهم إلى السير بإتجاه المكيدة التي نصبت له من قبل مجلس النواب وجعلته في لحظة يتحول إلى خصم سياسي يُهدّد في حال إستمراره بويلات على الغالبية النيابية التي أتت به رئيساً.

على مقلب تشكيل الحكومة، أرخت الساعات الماضية عن وقائع أثبتت أن الحريري هو الرقم واحد على لائحة المخولين تشكيل حكومة “الإنقاذ الوطني”.

معلومات “ليبانون ديبايت” تشير إلى أن الحريري يفاوض حالياً من خلال عدة قنوات مع “الثنائي الشيعي” منها “قناة الخليلين”، وقد فاجأ الجميع خلال الساعات المنصرمة برفع سقف شروطه، وكما يقال “دجها دج” بوجه الجميع، في وفي الوقت بعث برسالة فهم منها انه في حل من مبايعة أحد للسراي. إذاً هذه المرة، لن يكون هناك من “شوّاية حكوميّة” تتكفّل بإحراق الأسماء المرشحة!

في البداية، يوكل الحريري أمره إلى قصر الاليزية في مسألة تأمين التوافق الدولي حوله. يتردّد في بيت الوسط أن “الشيخ سعد” ينسق عبر قناة فرنسية، وهو أبلغَ من يعنيهم الأمر بأنه في حلٍ من أي دخول للسراي متى كان هذا الدخول من خارج أي إجماع دولي – عربي – إقليمي. لذلك يقود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مشاورات التأليف والتكليف من الخارج بهدف ترتيب المسرح. يريد الحريري من وراء ذلك أن ينعم بعودة ناجحة ومختلفة مستفيداً من النظارة الدولية التي افتتحت على بركة مراقبة الأداء السياسي في لبنان، وان تحمله على أداء مختلف في السلطة. يريد في الحقيقة أن يقلم أظافر العهد الذي كان يتهمه بالتدخل في أعمال رئاسة الحكومة.

وفي الحديث عن التقليم، بعث رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إلى المعنيين بالاتصالات، رسائل مفادها أن لا نية لديه في المشاركة شخصياً، لا هو ولا أي من عناصر كتلته النيابية، في حكومة يرأسها سعد الحريري مع التمني له بالتوفيق. لكن مصادر مطلعة على الاتصالات، تبدي اعتقادها أن “خطوة باسيل” تندرج تحت خانة تعزيز أوراق التفاوض، فهو محكوم بالمشاركة تبعاً لضرورة الحفاظ على حضور العهد، وبالتالي فإن باسيل مسكون بدخول الحكومة، أقله عبر رئيس الجمهورية، بوزراء من وزن الذين شاركوا بحكومة دياب، وهذا لن يحصل من خارج تفاهمات مع الحريري لها القدرة على الحد من إمكانية تحول هؤلاء إلى “مخربين سياسيين”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!