أعداد العائلات المحتاجة “مهولة”… وأولاد اشتاقوا لرائحة الدجاج واللحمة

انها قصة “وفاء” مستلّة من صميم الواقع، لأمّ أنهكتها الصفعات المتلاحقة، فوجدت نفسها تبحث عن نفحة أمل بين أكوام أشواك حياة لا ترحم.

 

زوجها تخلى عنها تاركاً على عاتقها طفلتين: الصغرى بسنّ الأربعة أعوام والكبرى تكبر شقيقتها بسنة وتعاني تخلفاً عقلياً وصعوبة في تطور السلوك التكيفي ما يستدعي عناية طبية ونفسية خاصة. فأي حاضر تعيشه الأم والطفلتين وأي غد ينتظرهن وأي عيد؟

 

لا عائلة تحتضن الطفلتين ولا معيل يسندهما، فغدت الأم وفاء ( اسم مستعار) تائهة بلا عمل، منكسرة الجناح وجيبها فارغ سوى من فيض البؤس. وإلى بؤسها تعاني وفاء من مرض الصرع واضطـــــرابات عصبية. وعندما سألناها عن أمنياتها و”العيد” على الأبواب،

 

تمنت لو تجد من يساعدها على رسم ابتسامة على وجه ابنتيها والثلاثة يعشن في منزل متواضع، مساحته صغيرة، جدرانه منخورة يتسلل من شقوقها برد الشتاء، وإحدى نوافذه مغطاة بقطعة قماش يتسرّب منها كلّ شيء إلّا الحلم… بغد أفضل.

 

لا قدرة لوفاء على تسديد فاتورة الكهرباء، فالشموع موزّعة بحياء في زوايا المنزل. ولا سبيل لتأمين التدفئة إلا ببضعة أغطية منثورة هنا وهناك. أمّا عن المأكل، تقول البنت الكبرى عند السؤال: “اشتقت لريحة اللحم والدجاج”.

 

ماذا تطلبين من “سانتا”، سُئلت البنت الصغرى، فأجابت والدموع تنهمر خلسة من عينيها: “أودّ أن أعيش كسائر الأطفال، أتعلّم وأشتري الملابس والألعاب والحلويات… أريد أن أشعر بالأمان… وألّا أرى أمي حزينة ومتألمة…

 

أتمنى أن تُشفى أختي من مرضها… و…و…”. لا تبغي الفتاة مالاً أو هدايا. جلّ ما تتطلّع إليه عشيّة العيد هو حياة “طبيعية” في بلد أصبح “العوز” للأسف فيه حالة أكثر من طبيعية.

 

تمرّ الأشهر بطيئة والعائلة المسكينة تنتظر من ينتشلها من المـــــوت بطيء يفتك بها. إلى أن قصدت “وفاء” مؤخراً إحدى الجمعيات الخيرية، وكلها أمل بأن تكون ولادة المخلّص بداية جديدة لها ولابنتيها. روت قصتها والإرهاق قد نال من عزة نفسها.

 

لكن كما يقال عادة، دوام الحال من المحال. اليوم، ها هي الجمعية تتعهّد بتعليم الابنتين في مدرسة خاصة وتأمين سلّة غذائية شهرية للعائلة،

 

كما متابعة العلاج الطبي اللازم للأمّ وابنتها الكبرى، إلى إجراء تحسينات تجعل منزلهن صالحاً للسكن في الحد الأدنى وتتوافر فيه الشروط الصحيّة.

 

هي قصة من آلاف القصص الأخرى التي تدلّل على المجهود الجبار الذي تقوم به العديد من الجمعيات والمؤسسات الخيرية.

 

فهي بارقة “أمل” لا بل الجندي المجهول الذي يمدّ يد العون لمن لا صوت لهم من شدّة الحاجة لانتشالهم من أخطار محدقة رمتها الحياة في دربهم. هؤلاء لا ذنب لهم سوى التواجد في بلد غارق في كل ما من شأنه زيادة معاناة أبنائه.

 

وفي هذا الإطار، لفت رئيس جمعية “أوكسيليا” عبدو أبي خليل إلى أنّ طلبات المساعدات التي وصلت إلى الجمعية السنة الحالية قد زادت بنسبة تفوق 60% مقارنة مع السنة الماضية،

 

مضيفاً أنّ الجمعية تحاول تلبية أكبر عدد ممكن من هذه الطلبات لكن ليس بوسعها تغطيتها جميعاً، إذ إنَ أعداد العائلات المحتاجة في لبنان يمكن أن توصف بالـ”مهولة”.

 

كتبت كارين عبد النور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!