الهيمنة الإيرانية تقود إلى الانهيار… والانفتاح العربي إلى الإنقاذ

من اليمن إلى العراق، ومن سوريا إلى لبنان حاولت طهران عبر أذرعها العسكرية والمذهبية، الإمساك بمفاصل القرار السياسي والأمني في هذه الدول، فكرّست واقع الانهيار، وأدّت إلى تآكل مؤسساتها الشرعية، وتراجع الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، لصالح فوضى دائمة تُغذيها أدواتها التابعة.
في المقابل، كل دولة نجحت ولو جزئيا في تخفيف قبضة النفوذ الإيراني، بدأت تشهد حراكا إنقاذيا حقيقيا، وتحسنا في المؤشرات الاقتصادية، وانفتاحا على المحيط العربي والدولي، وعودة تدريجية للمؤسسات الشرعية لممارسة دورها.
في اليمن، استغلت إيران التوترات والانقسامات لتزرع ذراعها الحوثية في قلب صنعاء والنتيجة بلد ممزّق، شبه معزول عن العالم، يعاني من إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، مئات آلاف القتلى، مجاعة، دمار للبنى التحتية، وعسكرة شاملة للمجتمع.
لكن المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثي بدأت تشهد عملية إعادة إعمار تدريجية، ومسارا واضحا لإعادة تنظيم الاقتصاد والإدارة بدعم خليجي ودولي، بينما يستنزف الشمال الخاضع لسيطرة طهران بالقمع والتجنيد والفقر.
أما العراق، فقد هيمنت عليه إيران منذ سقوط نظام صدام حسين، عبر سيطرة ميليشيات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني على الأرض، لكن منذ عام 2021، بدأت بغداد تتحرّك نحو إعادة بناء مؤسساتها، وتعزيز المؤسسة العسكرية الشرعية، واستعادة بعض من استقلالية القرار، وقد بدأت نتائج هذا التحوّل تظهر تدريجيا بتحسن نسبي في الوضع الاقتصادي، وزيادة الانفتاح على العمق العربي.
وفي سوريا، بعد أكثر من عقد من الحرب والدمار والتبعية شبه الكاملة لإيران وميليشياتها، وبعد السقوط المدوي لنظام بشار الاسد، بدأت دمشق تشهد تحوّلا تدريجيا مع الانفتاح العربي والخليجي، وعودة العلاقات مع الدول الخليج، وتكثيف المساعدات الإنسانية لسكانها.
ومن أبرز مؤشرات هذا التحوّل، ما كشفته تقارير دولية أخيرا عن قيام المملكة العربية السعودية وقطر بسداد جزء من ديون سوريا الخارجية، في خطوة تعبّر عن رغبة عربية جدّية في دعم تعافي الاقتصاد السوري.
في المقابل، لا يزال لبنان غارقا في انهياره، مؤسساته معطلة، الإصلاحات غائبة، مؤتمرات الدعم الدولية لا تزال معلقة، الاستثمارات الخليجية متوقفة، والسياحة بالكاد تُحرك بعض الأمل الموسمي، والسبب واضح استمرار سطوة “حزب الله” على القرار السيادي، وربط البلاد بالمحور الإيراني سياسيا وأمنيا واقتصاديا، على الرغم من انطلاق مرحلة سياسية جديدة مع انتخاب رئيس للجمهورية، ولكن تبقى الأولوية في تطبيق الاصلاحات الجذرية والتي تبدأ من حصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية، وعودة القرار السياسي إلى مؤسسات الدولة، لإعادة ربط لبنان بمحيطه الطبيعي.
المعادلة أصبحت واضحة وضوح الشمس، كلما تراجعت الهيمنة الإيرانية، تقدّمت الدولة، وكلما تمدّد النفوذ الإيراني، تراجعت فرص النهوض.
من هنا يُطرح السؤال ،ألا يحق للبنانيين الخروج من المحور الإيراني واستعادة قرار دولتهم؟ وألا يستحق لبنان أن يعيد وصل ما انقطع مع الخليج والعالم؟
فإذا أردنا لبنان دولة حرة، مستقلة، منفتحة على العالم، مزدهرة بقدراتها، مدعومة من محيطها، فعلينا ألا نسمح لأحد بأن يُبقي البلاد ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، يدفع شعبها الثمن من استقراره وكرامته.
الوقت ينفد والفرصة لا تنتظر طويلاً، فإما أن يصعد لبنان إلى قطار الإنقاذ… أو يُترك وحيدا على رصيف الانهيار.