#محليات#:بعد الانفجار: لبنان الجديد؟
من الصعب المباشرة بالتحليل الاقتصادي بعد كارثة بهذا الحجم حيث يعجز العقل قبل القلب واللسان عن التعبير والتفكير. تكمن المشكلة ليس فقط في حجم الانفجار والخسائر البشرية والمادية الهائلة التي حصلت، وانما أيضا فيما سبق من نواحي الاهمال والتقصير وغياب الضمير. كمية كبرى من المتفجرات تخزن لسنوات في مرفاء بيروت المواجه مباشرة
وعلى مسافات قصيرة لأفضل الأحياء السكنية في العاصمة. جميع الذين علموا بهذه المتفجرات قبل 4 آب، ماذا اعتقدوا وبماذا فكروا وكيف يبررون اهمالهم بطريقة أو اخرى؟ كيف يعالجون مع أنفسهم وضمائرهم ماذا أهملوا؟ كيف يبررون اهمالهم لأن تجنب ما حدث كان ممكنا حتى قبل أيام من الجريمة التي لا توصف. ليست هنالك أعذار مقبولة!
حتى لو كان الهدف الاجرامي صنع قنابل من هذه المواد، كان ممكنا صنعها في مناطق نائية بعيدة عن القرى والمدن حيث لا يؤدي أي انفجار اذا ما حصل الى هذه الكمية من الخسائر. مجرد ابقاء المواد حيث هي في وجه بيروت جريمة بحد ذاتها ولا بد من المحاسبة والمحاكمة.
استقالة الحكومة خطوة أولى لكنها لن تبتلع حجم المأساة التي تبقى على رأس المسؤولين وفي ضمائرهم منذ ان وضعت هذه المواد المتفجرة أي منذ سنوات طويلة. فكيف يمكن اعادة هؤلاء الأشخاص الى الحكم، اعادة من كانوا مسؤولين في الدولة منذ قدوم الباخرة وحتى اليوم. لا بد من وصول وجوه جديدة نظيفة خاصة في الضمير الى الحكم لتولي المهمات الكبرى.
يجب أن يبنى لبنان الجديد على المبادئ والقوانين المدنية وليس العلمانية بالضرورة، اذ لا مستقبل للبنان ضمن القوانين والممارسات الطائفية والمذهبية. أولادنا يهاجرون ولبنان يفقر والمستفيدون من الانقسمات يزدهرون.
بناء لبنان الجديد يرتكز على وجود أشخاص في المسؤوليات يتمتعون بالكفاءة والخبرة وبالنظافة المادية والفكرية وغير ملوثين في الممارسات السوداء في القطاع العام أو الخاص. هؤلاء كثيرون لحسن الحظ في لبنان أو الخارج. مع هذا الفريق الجديد من نساء ورجال، لا بد من بناء المستقبل على الخطوات التالية:
أولا: القيام بالتدقيق الجنائي في المؤسسات العامة الرئيسية حيث الشبهات كبيرة في سوء الاداء والفساد، ومنها مصرف لبنان ومجلس الانماء والاعمار وشركة الكهرباء ومجلسي المهجرين والجنوب وغيرهم. أهمية هذا التدقيق ليس فقط معرفة ما جرى في الماضي والمحاسبة على أساسها، وانما خاصة ردع من يفكر بالسرقة والهدر وسوء الادارة مستقبلا.
هذه المرحلة الانتقالية خطرة لكنها ضرورية لبناء لبنان الجديد. لا بد من العودة بهذا التدقيق الى 1980 أي الى فترة سابقة مهمة جدا قبل الطائف يجب التعلم منها على الأصعدة النقدية والمالية والاقتصادية والادارية حتى لا نقول السياسية.
ثانيا: في القضاء لا بد من قبول التشكيلات التي يضعها مجلس القضاء الأعلى ولا بد للاستقلالية من أن تتم وتحترم. لن تأتي الاستثمارات الى دولة لا تحترم قضاءها. القضاء في أوروبا وأميركا أقوى من السياسيين. لأننا نحاول التشبه بالدول المتقدمة، لا بد وأن نضع القوانين المشابهة التي تحترم المسؤوليات والحريات وحقوق الانسان والمساواة بين الأجناس والأعراق.
ثالثا: الاستمرار في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لأنها بداية الخلاص والمساعدات، ولأن المجالات الأخرى عملياً غير متوافرة. ضرورة المفاوضات بأفكار ومواقف وأهداف مشتركة يتفق عليها داخليا قبل التفاوض كي تكون كلمة لبنان واحدة وقوية. الجدية مطلوبة لأن التحديات كبيرة والفرص تضيق مع الوقت والبطالة تكبر والفقر يزداد.
رابعا: في السياسة النقدية واذا عجزنا عن الانتقال الى سعر الصرف الحر، لا بد من تحديد سعر صرف واقعي جديد تجاه الدولار يستطيع مصرف لبنان الدفاع عنه. المطلوب من مصرف لبنان المزيد من الشفافية الدورية تماما كما يحصل مع المصرفين المركزيين الأميركي والأوروبي. ضبابية عمل مصرف لبنان المزمنة تضعف الثقة به وهذا في غاية السوء والخطورة.
خامسا: في المواضيع المالية، التقشف بهدوء هو المطلوب لأن خنق البلد مضر جدا في ظروفنا الصعبة. لذا الادارة المالية الرشيدة أي المنطقية والعقلانية هي المطلوبة. بناء الادارة النزيهة الحديثة التي تخدم المواطن هي أساس لبنان الجديد وقد عرفناها في الستينات حيث النوعية والكفاءة كانت الأساس. فلنعود اليها لأن لا مستقبل لنا اذا ما استمرينا على ما نحن عليه.