فقراء طرابلس ضحية أجندات ومشاريع مشبوهة!!

تكبر المخاوف من التحركات والاحتجاجات الشعبية التي تصاعدت في ليلتها الثانية بطرابلس وإتجهت نحو مزيد من العنف، وذلك رفضا لتمديد الاقفال العام في ظل غياب الدولة عن تقديم المساعدات، وإستنكارا للأوضاع الاجتماعية والمعيشية المأساوية التي ترخي بظلالها القاتمة على تفاصيل حياة المواطنين.

في الشكل، هي تحركات محقة لفقراء دفعهم الفقر والقهر والجوع وإهمال الدولة الى الشوارع للتعبير غضبهم الذي قادهم نحو مواجهة عنيفة جدا مع القوى الأمنية والعسكرية، وصولا الى الاعتداء على مراكز الدولة الأساسية من سراي طرابلس الى مخفر الدرك في ساحة التل، وهي جزء من تحركات إمتدت أمس على مساحة الوطن، وحملت المطالب ذاتها لكنها لم تخرج عن طابعها السلمي.

أما في المضمون، فإن ما يحصل على الأرض لا سيما في طرابلس بات يؤكد أن الدولة بغيابها وإنعدام رؤيتها، وبقراراتها الارتجالية تفتح الباب واسعا أمام جهات مختلفة لاستغلال حاجات الفقراء ودفعهم الى الشارع لتنفيذ أجندات معينة تهدف الى الضغط على بعضها البعض لتحقيق مكاسب سياسية.

لذلك، فإن المحتجين الغاضبين الذين إنتقلوا من ساحة النور الى ساحة التل ومن ثم الى ساحة الكورة وإستمروا في مواجهة الجيش حتى ساعات الفجر الأولى، كانوا عبارة عن مجموعات معظمها من الغرباء عن المدينة، وكل منها تنفذ أجندة خاصة بها، في حين أن الثوار التقليديين في طرابلس نأوا بأنفسهم عن كل تلك المواجهات، وأشغلوا أنفسهم عنها بمسيرتهم اليومية التي تطوف على منازل النواب وتدعوهم الى تحمل مسؤولياتهم.

يبدو واضحا أن هناك مجموعات تتحرك بأوامر من تيارات سياسية تسعى الى الضغط على رئيس الجمهورية من أجل تشكيل الحكومة وهذا بدا واضحا في طرابلس وعبرها الى مناطق ذات توجه سياسي معين.. وهناك مجموعات تحركها تيارات سياسية أخرى للضغط على الرئيس المكلف ودفعه نحو الاعتذار وهذا يحصل من تحت الطاولة عبر وسطاء يتكفلون بتأمين ما يلزم للمحتجين “المأجورين” للقيام بالمهام المطلوبة منهم.

هناك من يريد إستدراج الجيش اللبناني الى مواجهة دموية مع أهله من خلال إستفزازه الى أبعد الحدود والاعتداء على عناصره وآلياته، وذلك بهدف استكمال الحملة القائمة عليه لاضعافه، وهذا المخطط بدا واضحا، فالجيش الذي إستقبله المحتجون ليلة أمس الأول بالهتافات والتصفيق ونجح في تهدئة الأمور وإعادتها الى نصابها في ساحة عبدالحميد كرامي، يبدو أنه دخل على إحدى الأجندات أمس، فواجه إعتداءات تكررت في أكثر من موقع، ورشق محتجون عناصره بالحجارة والعبوات الزجاجية، لكنه رغم كل ذلك، تعامل بكثير من الحكمة والهدوء وحاول قدر المستطاع تفريق المحتجين.

وهناك أيضا من أراد ضرب هيبة الدولة من خلال إستهداف قوى الأمن الداخلي، سواء بمحاصرة سراي طرابلس وإحراق مداخلها ومحاولة إقتحامها، أو من خلال محاصرة وإحراق مخفر التل، ما يدعو الى التساؤل: إذا كانت السراي والمخافر بحاجة الى من يحميها، فمن يحمي المواطنين في ظل هذا الفلتان الحاصل إعتداء وسرقة وسطوا مسلحا؟.

يمكن القول إن المواطنين الفقراء والأشد فقرا قد ضاعت مطالبهم وحقوقهم في زحمة الأجندات التي فرضت نفسها على التحركات الاحتجاجية، بل على العكس فقد وجدوا أنفسهم وقودا لمشاريع مشبوهة.

ما يدعو للاشمئزاز بحسب متابعين، هو أن هذه الاحتجاجات التي تحمل عناوين الفقر والجوع والتهميش والحرمان تحولت الى تحركات “غب الطلب” وقد بدا ذلك واضحا، حيث أن عددا كبيرا من الغاضبين في الشارع، إستخدموا كمّا هائلا من المفرقعات النارية وإنارة “اللايزر” في مواجهة الجيش والقوى الأمنية وخلال محاولتهم إقتحام السراي، فكيف للجائعين أن يستخدموا مفرقعات بملايين الليرات، ولايزر بمبالغ مماثلة، في وقت لا يملكون فيه ثمن ربطة خبز لاطعام عائلاتهم!؟.

بالأمس نامت طرابلس على رائحة حرق النفايات والاطارات والقنابل المسيلة للدموع، ما ضاعف من وجع أهلها الرافضين لكل أنواع الفوضى، في وقت إستغل فيه كورونا تلهي المعنيين بتشكيل الحكومة بخلافاتهم والتيارات السياسية بتصفية حساباتها في الشوارع، وسجل رقما كارثيا في لبنان بلغ 73 حالة وفاة، ما يجعل البلاد برمتها أمام حرب إستنزاف أبطالها أمراء حرب لديهم ما يكفي من الخبرة لقتل اللبنانيين!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!