بيروت العودة… والردّ!

حدَّثني صديقي الديبلوماسيٌ العربيّ السابِق في وجعه ممّا جرى في بيروت. إسترسل في انتفاضته على تجاهل السّلطة لمأساة أهلها مُستنجِداً بسؤالٍ خطير مفاده بحسبه: “أخاف ألا يكون ما جرى عَرضاً فكيف يجب فَهم ذلك من دون اقتبال السياق الصّراعي على هُويّة لبنان؟”.
لهُنيهاتٍ نَظرتُ إليه بهدوء وأردفتُ: “بيروت معنيّة بالعودة والردّ…”، ليُبادرني مقاطعاً: “بيروت روحٌ لن تموت”. على شاكِلة “الهيبة العودة/الردّ”، من دون أيّ تشابهٍ بُنيويّ، يتبدّى جليّاً في التطوّرات الدراماتيكيّة التي نعايشها، ثمّة عناية ما تأخذ الشعب اللبنانيّ إلى استرداد زمام مبادرة تزخيم المواجهة مع المنظومة السياسيّة بتشكّلاتٍ واضحة المعالم في البديل الآتي، لإعادة تكوين سُلطة سليم بمسارٍ دستوريّ ديموقراطيّ سلميّ.
ليس بتفصيلٍ تقنيّ استقالة القضاء اللبنانيّ من مكافحة الفساد والمساءلة، وتمييع التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت. إشكاليّة الاستقالة والتأخير هُنا مقتَلةٌ للدولة بالاستسلام للسُّلطة. ثمّة فالقٌ زلزاليّ انشطاريّ بين ترك معركة التشكيلات القضائيّة، والصمت المدوّي في ما آلت إليه حتّى السّاعة نتائج التحقيق في هذا السّياق. من هنا يتبدّى جليّاً كم كانت الحاجة مُلِحّة ولَم تزَل، إلى تحقيقٍ دوليّ شفّاف أكثر منه مشاركاتٍ مبتورة لأجهزةٍ دوليّة محدودة الفاعليّة، وربّما محدَّدة المهمَّة.
يحضرني هنا توجّه نقيب المحامين ملحم خلف برسالة دقيقة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ناهيك بانحياز نقابة المحامين لاتّخاذ صفة الادّعاء الشخصيّ على كلّ من تورّط في جريمة التفجير هذه، بما هي تعادِل الجريمة ضدّ الإنسانيّة. من هنا كان يُؤمَل من مجلس القضاء الأعلى إصدار موقفٍ حاسِمٍ أكثر منه التمترس في انسحابٍ مشبوه.
في كلّ ما سبق، بيروت العودة تكون بالتّموضع الطبيعي في ثوابت لبنان الكيان – الرسالة، والرَدّ يكون بتنقية الذّاكرة الجماعيّة التاريخيّة من تشوّهاتٍ جنينيّة في عقول “الأقوياء”، قد تودي بنا إلى مهالِك عدميّة.
حمى الله لبنان واللبنانيّين!