شهر أيلول مفصلي في تاريخ لبنان… والطبقة السياسية تُضيّع الوقت

“بروفسور جاسم عجاقة – الديار”

الوضع الإقتصادي أصبح خارج السيطرة نهائيًا! هذا أقلّ ما يُمكن قوّله عن الإقتصاد اللبناني بعد كل الصدمات التي عصفت بلبنان من العقوبات على جمّال تراست بنك، وصولا إلى تفجير المرفأ في بيروت، ومرورا بثورة تشرين ووباء كورونا وإفلاس لبنان. وبالتالي، لا يُمكن البحث بمقومات إقتصادية وإعادة تفعيلها من دون أن يكون هناك تعديل للمشهد السياسي القائم.

فلبنان وقبل تفجير مرفأ بيروت، كان يعيش في ظل أزمة مالية – إقتصادية – نقدية نتيجة الفساد القائم الذي منع لبنان من بناء هيكلية إقتصادية سليمة إذ أدّى غياب السياسيات المالية إلى خلق إقتصاد مبني بالدرجة الأولى على التجارة والريع.

وزاد الأمر تعقيدًا توقف دفع سندات اليوروبوندز من دون أي مفاوضات مع الدائنين مما وضع لبنان حكمًا في خانة الدول المُفلسة مع دين عام يفوق الـ 91 مليار دولار أميركي ويزداد بلا رقابة لا سيما مع عجز بلغ 4 تريليون ليرة لبنانية في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام.

ولم يكن وضع الليرة اللبنانية في السوق السوداء أفضل حالا مع المضاربة الشرسة التي أوصلت سعرها إلى 10000 ليرة مقابل كل دولار. ولعل الهبوط الحالي في سعر الصرف على الرغم من كل الاوضاع المتردية، يُشير بوضوح إلى أن السعر في السوق السوداء كان بلا ريب نتيجة المضاربة بخلفيات سياسية – ربحية.

هذا الواقع لا ينفي المُشكلة الخطيرة المُتمثّلة بطبع العملة حاليًا والذي يفوق 1.5 تريليون ليرة شهريًا، مع التنبيه على أن الإستمرار على هذه الوتيرة سيؤدّي حكمًا إلى تضرر سعر الصرف (الحقيقي) على المدى المتوسّط إلى البعيد.

النشاط الإقتصادي اليوم يُمكن إختزاله بالصناعة الخفيفة والتجارة بالمواد الغذائية بالدرجة الأولى، وبالتالي فإن هذه المرحلة هي مرحلة إستنزاف لموارد اللبنانيين.

وإذا كانت جائحة كورونا مُستمرّة ولكن بوتيرة أعنف (400 إصابة البارحة) في ضرب النشاط الإقتصادي، فإن الإستمرار على هذه الحال سيفرض حكمًا إعادة إقفال البلد نظرًا إلى أن 50% من الإصابات غير معروفة المصدر! مما يعني مزيدًا من التدهور الإقتصادي.

وجاء إنفجار المرفأ ليزيد الطين بلّة مع ضرب الشريان الحيوي لإقتصاد قائم على الإقتصاد مع أكثر من 75% من الشركات التي تعتمد بشكل أو بآخر على الإستيراد والتصدير. وبالتالي، فإن الناتج المحلّي الإجمالي مُرجّح للإنخفاض من جديد إلى مستويات تتراوح بين 26% و35% مع المعطيات الحالية. أي بمعنى أخر، إذا ساءت الأمور أكثر من الممكن أن نشهد إنخفاضًا إضافيًا في هذا الناتج تبعًا للتطورات السياسية… والأمنية!

هذا الواقع يُذكّرنا بواقع دولة إريتريا التي تعيش على تحاويل المُغتربين وعلى المساعدات الدولية بسبب الصراعات المُسلّحة والفساد وذلك على الرغم من إمتلاك هذه الدوّلة لموارد طبيعية قادرة على إنعاش إقتصادها وتأمين حياة كريمة لمواطنيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!